
بقلم مدير مكتب الأقصر: ياسر العطيفي
في مشهد اجتماعي مهيب، لم يكن اللواء محمد الصاوي، مساعد وزير الداخلية ومدير أمن الأقصر، مجرد مسؤول أمني يُلقي توجيهاته، بل كان أبًا حاضرًا بكل مشاعره، يتحدث من قلبه إلى قلوب الأهالي، خلال جلسة الصلح الكبرى التي شهدتها قرية القرايا بمركز إسنا جنوب المحافظة.
إشادة واسعة بكلمة مدير أمن الأقصر في جلسة الصلح: “علّموا أولادكم حب الخير”
قالها اللواء الصاوي بصدقٍ لافت أمام الحضور: “أنا مش طالب منكم حاجة… غير إنكم تسألوا على أولادكم، تشوفوهم راحوا فين، اتأخروا ليه، بيصحبوا مين، ازرعوا فيهم حب الخير للناس، وعلّموهم يراعوا ربنا في حياتهم ومستقبلهم.”
كلمات بسيطة لكن عميقة، خرجت من قلب مسؤول يشعر بالخطر الحقيقي على المجتمع من بوابة الإهمال الأسري، فهزّت مشاعر الحاضرين ونالت إشادة واسعة من أهالي الأقصر، الذين وصفوه بأنه “أب من ذهب قبل أن يكون رجل أمن.”
القودة.. الكفن الذي يطوي صفحة الدم
في خلفية هذا المشهد المؤثر، جاءت مراسم إنهاء خصومة ثأرية بين أبناء العمومة من عائلة “آل سليم” بقرية القرايا، بعد صراع دام أكثر من عشر سنوات بسبب نزاع على قطعة أرض.
وكما هو متبع في العُرف الصعيدي، بدأت المراسم بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم كلمة لوكيل مطرانية كنيسة إسنا وأرمنت عبّر فيها عن أهمية التسامح، لتتقدّم بعدها العائلة المتسببة في النزاع بتقديم الكفن لأبناء عمومتهم، وسط تكبيرات الأهالي واحتضان الطرفين في مشهد يجسد عمق المصالحة.
القودة.. لغة الصعيد في إنهاء الخصومات
القودة هي أحد أعرق أعراف المجتمع الصعيدي، تُقدَّم فيها رمزية “الكفن” كطلب للعفو والصفح، وحين تُقبَل، تُعلن المصالحة رسميًا وتُطوى صفحات الثأر والعداوة.
وتُعد هذه الطقوس بمثابة تأكيد على قدرة المجتمع المحلي على حل نزاعاته بمعايير الكرامة والاحترام، بعيدًا عن دائرة الدم والانتقام.
إسنا تنتصر للعقل.. وتكتب سطرًا جديدًا في دفتر التسامح
بهذا الصلح، وبتلك الكلمات المؤثرة التي نطقت بها القلوب قبل الألسنة، تُثبت الأقصر مجددًا أن قوة الصعيد ليست في السلاح… بل في الحكمة والتراحم.