اقتصاددين وحياةسياحة وسفرسياسةعاجل

هزيمة هرقل رسالة إلى ترامب ونتنياهو وحلفائهم

بقلم/ ناصر السلاموني

سيبكى( ترامب ونتنياهو) وكل حاكم أيدهم في فعلتهم النكراء وخاصة ما حدث اليوم من تدمير المستشفى واستشهاد أربعة صحفيين كما بكى “هرقل” عظيم الروم بعد هزيمته على يد جيوشنا في اليرموك.!!
فكما اتفقت المصادر العربية والغربية. كان (هرقل )عظيم الروم يعد نفسه أعظم إمبراطور روماني، محتلا في سجل التاريخ مكانة خاصة مع (قسطنطين الكبير) و(جستنيان الأول).

فلولا (خالد بن الوليد) و(أبو عبيدة) و(عمرو بن العاص) و(شرحبيل بن حسنة) لظل( هرقل) على وضعه متفوقًا، فهو الذي هزم الإمبراطورية الفارسية الساسانية، منهياً حربًا مدمرة دامت سبعة قرون، بدأت في عام 53 قبل الميلاد واستمرت عبر الرومان والساسانيين، وحشدت الإمبراطوريتان كل طاقتهما، وكان مسرحها الرئيسي الأناضول وبلاد الشام.

وقفت فارس نداً للروم، وجيشها كان متفوقًا تكنولوجيًا، وظلت عقدة الفرس في ذهن الرومانيين. في عهد الإمبراطور فوقاس عام 603، غزا الفرس الإمبراطورية الرومية، وانهارت الجبهة الشرقية، واحتلوا بلاد ما بين النهرين وسوريا ومعظم آسيا الصغرى حتى مضيق البوسفور.

ظهر (هرقل)، جنرال روماني شاب، ليقود فيلقه الأفريقي نحو القسطنطينية، وقتل الإمبراطور المكروه فوقاس، لكنه وجد إمبراطورية متهالكة والجيش الفارسي قريبًا من العاصمة. حاول المقاومة، لكن جيشه انهزم في الشام، واقتحم الفرس فلسطين واحتلوا القدس عام 614، ودمروا كنيسة القيامة وسلبوا الصليب الحقيقي وقتلوا النصارى وسبوهم بمساعدة من يهود، ثم سيطروا تدريجيًا على مصر، ما أدى لانقطاع القمح عن القسطنطينية، وبحلول منتصف 621 كانت مصر بأيديهم.

هرقل لم يستسلم، فأصلح الدولة وأعاد بناء جيشه، وأضفى على الحرب صيغة “الحرب المقدسة”، واتخذ من وجه المسيح شعارًا لجيشه. سار نحو أرمينيا، وكسر الجيش الفارسي في معارك فاصلة، ثم دخل أذربيجان وملك تبريز بعد حصارها، بينما هرب كسرى خُسرو الثاني وحاشيته إلى المدائن، فأحرق هرقل معبد النار هناك.

في العراق، انتصر هرقل في معركة( نينوى)، فتغيرت الأوضاع في البلاط الفارسي، فخلع كسرى( خُسرو الثاني) وقتل على يد ابنه( قباز شيرويه)، وطلب السلام، فوافق هرقل على انسحاب الفرس من الشام ومصر، واستعادة الحدود السابقة، وإطلاق الأسرى، وإرجاع الصليب، وتم الاتفاق في يونيو 629، لتصبح فارس لأول مرة تحت وصاية هرقل.

دخل هرقل القدس المحررة ومعه الصليب الأعظم، وتوج هناك كأعظم الفاتحين، لا ينافسه إلا( الإسكندر الأكبر) و(يوليوس قيصر)، إلا أنه واجه القدر المحتوم، فبينما كان متجهًا إلى القدس، اقترب( نبينا )ﷺ من (تبوك)، وبدأ جند الله يظهرون من جزيرة العرب، فظن الروم أنها مجرد غارة من البدو المعتادة، لكنهم وجدوا رجالًا ممتلئين بعقيدة الدين الحق.

هرقل، المكلل بالمجد، شاهد بعد سنوات قليلة جيشه العظيم يباد على يد 40 ألف من جند الرحمن المدعومين من السماء في اليرموك، بينما كان جيشه يبلغ ربع مليون مقاتل بأحدث الأسلحة، وغالب جنود الإسلام يلفون يد سيوفهم بقطعة قماش بالية.

وفرّ أحد قواد الروم ليخبر الإمبراطور بخسارة جيشه الفادحة، وكان هرقل في مدينة أنطاكية يتابع الحرب، فأصبح محطمًا غاضبًا، وألقى اللوم على أفعاله السيئة، مثل الزواج بابنت أخته مارتينا الذي أجبرها عليه، وهو سبب من أسباب خسارته. ولو امتلك الموارد اللازمة ربما لمحاولة أخرى لاستعادة فتح المحافظات التي خسرها، لكنه لم يعد يملك الرجال ولا المال الكافي للدفاع عن مناطقه.

وبدلاً من ذلك، انسحب إلى كاتدرائية أنطاكية طالبًا الشفاعة، واستدعى مستشاريه للتمعن في أسباب الهزيمة، فأُعلم بالإجماع أن الخسارة كانت قرارًا من الرب ونتيجة لذنوب الشعب، وهو من ضمنهم.

فسأل هرقل مستشاريه غاضبًا:
“من الذين يحاربونكم، بشرٌ أم شياطين؟ كيف يهزمونكم وأنتم أكثر منهم في كل موضع، وتتفوقون عليهم في العدة والعتاد؟”

فأجاب أحد مستشاريه، وكان أعقلهم:
“إن الذين يحاربوننا بشر، لكنهم ليسوا كبشر. يقومون الليل ويصومون النهار، وإذا جنّ الليل سمعت لهم دويًّا كدويّ النحل من القرآن، فإذا أشرقت الشمس أصبحوا أسود فرسان. أما نحن فلا نصوم ولا نصلي، نشرب الخمر ونقترف الفواحش، وهم لا يفعلون، وما من واحد منهم إلا ويتمنى أن يموت قبل صاحبه. يحملون علينا فيصدقون، ونحن نحمل عليهم فيصبرون. أما نحن إذا حملوا علينا فلا نصدق ولا نصبر.”

وبعدها هرب هرقل على متن سفينة إلى القسطنطينية ليلاً، وألقى توديعة أخيرة للشام عندما أبحرت السفينة، حيث قال:
“سلامٌ عليكِ يا سوريا، سلام مودع لا يعود.”

نعم، تمكن خالد بن الوليد بثلة مؤمنة مفتقرة للإمكانيات الدنيوية من جعل عظيم الروم هرقل العظيم يدخل التاريخ لكن من باب المنهزمين، فلا يذكره الناس اليوم إلا وهو يخسر سوريا ومصر وليبيا ومناطق أخرى لصالح المسلمين، وهذه المرة للأبد، وينهي حياته وهو يشاهد بعجز، متحصنًا في القسطنطينية، انهيار ما بناه هو وأجداده لقرون، لتعود بيزنطة مجرد مملكة صغيرة.

واليوم، ونحن نرى فلسطين تواجه آلة البطش المدججة بالسلاح،وتأييد أمريكيا وأوربا لإسرائيل وامدادها بالمال والسلاح نستحضر هذا المشهد ذاته: هرقل العظيم الذي ودّع الشام مهزومًا، لم تنفعه قوته ولا جيوشه ولا أسلحته، كما لن تنفع قوة إسرائيل ولا أمريكا مهما بلغت إذا واجهتها عقيدة صادقة كما يحدث الآن مع تفاوت الإمكانيات ولكن انتصر جند الرحمن في اليرموك، ستنتصر فلسطين إذا تمسك أهلها بدينها وتوحدت كلمة فصائلها ونبذت الفرقة. فالتاريخ لا يرحم الضعفاء، لكنه ينحاز دومًا للصادقين.

إن ما يدور على أرض فلسطين معركة هوية ووجود، حق وباطل، نور وظلام. فإن تخلي العرب والمسلمون عنها تخلوا عن أنفسهم، وإن نصروها نصروا الدين والعزةوالكرامة، فالنصر وعد الله، ولن يتحقق إلا إذا عدنا أمة واحدة، قوية العقيدة، متماسكة الصفوف، تقودها راية الحق وتستمد قوتها من قوله تعالى:
(إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

Facebook Comments Box

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى