
بقلم : الإعلامية اللبنانية – مايا إبراهيم
في زمن تتكاثر فيه الأصوات وتضيع فيه البوصلة، يبرز اسم فرات البسّام كأحد القلائل الذين حافظوا على اتزان الكلمة، وحرارة الموقف، ووضوح الرؤية. إعلاميٌ من طرازٍ فريد، لا يصافح الورق إلا إذا كان صادقًا، ولا يكتب إلا حيث يكون للصمت معنى وللكلام ضرورة.
من لندن، حيث تقيم صحيفة العرب نيوز التي يرأس تحريرها، يقف فرات البسّام على تماسٍ مباشر مع نبض العالم العربي، لكنه لا يكتب من موقع المغترب بل من موقع المشتبك، المتورط فكريًا وروحيًا في هموم المنطقة. لا يميل إلى الإثارة، ولا يُغريه لمعان العناوين، بل يفتّش عن الحقيقة كما يفتّش الحالم عن وطن.
في مقالاته، يجد القارئ مفاتيح لفهم ما يحدث خلف الستار، ما يُحاك في غرف القرار، وما يخطه التاريخ في سطور لا يقرؤها إلا العارفون. في مقالته الشهيرة “الشرق الأوسط الجديد وحلم التاريخ”، بدا كمن يكتب بوصلات العصور، يمزج الحاضر بالتاريخ، ليخرج بتحليل لا يكتفي بتوصيف اللحظة، بل يستشرف ما بعدها.
لكن فرات البسّام ليس فقط محللاً سياسيًا بارعًا، بل هو أيضًا رجل فكر. مؤسس “البرلمان الإعلامي العربي”، الحالم بإعلامٍ عابرٍ للحدود، نزيهٍ، ملتزمٍ لا تابع، عروبي لا غوغائي. يحمل في قلبه مشروعًا متكاملاً لدور الإعلام في البناء لا الهدم، في التنوير لا التحريض.
هو من أولئك الذين لا يملكون ترف الحياد الزائف، ولا يساومون على المبادئ. مواقفه واضحة، لكنها ليست متشنجة. صوته عالٍ، لكنه ليس صاخبًا. كلماته صلبة، لكنها لا تجرح إلا الباطل.
فرات البسّام، في زمن التلوّن، يختار أن يكون وجهًا واحدًا في مرآة مليئة بالشقوق. صحفيٌ لم تُغوِه الشاشات، ولا أفسدته السلطة، وظلّ وفيًّا لقَسم الكلمة، متمسكًا بدورها كأداة للمقاومة، لا كسلعة في سوق النفاق.
هو، ببساطة، رجلٌ حين تكتب عنه، تشعر أنك تكتب عن فكرة. وفكرة فرات البسّام لا تموت.