
كتب: محمود سلامة
في موريتانيا، حيث الصحراء ليست مجرد امتداد جغرافي بل مسرحٌ يوميٌ للكفاح، يقف المنقبون الأهليون اليوم في مواجهة معقدة: مواجهة لا تُخاض بالسلاح، بل بالصبر، وبالعرق، وبالإيمان بأن الأرض التي حفروها بأيديهم لا يجب أن تُنتزع منهم بقرارات فوقية أو صفقات خلف الأبواب.
هؤلاء المنقبون ليسوا طارئين على المشهد الوطني، بل هم جزء من نسيج الدولة العميق ، من أولئك الذين آمنوا بمشروع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ لحظاته الأولى، واصطفوا خلفه في الانتخابات الرئاسية الماضية، لا لأنهم طلاب امتيازات، بل لأنهم رأوا فيه رجل دولة يعد بالعدل، ويؤمن بأن الكرامة لا تُجزأ.
لقد تعهد الرئيس، في خطاباته ومجالس وزرائه، بإعادة الاعتبار للمنقبين البسطاء، وبأن تكون لهم الأولوية في الاستفادة من خيرات الأرض التي عاشوا فيها، لا أن يُقصوا منها لصالح شركات كبرى أو رجال أعمال نافذين. وقد أعلن عن تخصيص مساحة 360 كيلومترًا مربعًا لصالحهم، في خطوة فُهمت حينها على أنها انتصار للعدالة الاجتماعية، وردٌّ رمزي على سنوات من التهميش.
لكن ما يحدث اليوم أمام وزارة المعادن يُثير القلق: احتجاجات، اعتصامات، وشعور متنامٍ بأن هناك من يحاول الالتفاف على تعهدات الدولة عبر النفوذ، والضغط، وربما التواطؤ. فهل يُعقل أن يُقصى من نحت الصخر بيديه، ويُمنح من لم يعرف الأرض إلا من خلال الخرائط؟
وراء كل منقب، أسرة تعيش على أمل ما يستخرجه من باطن الأرض هؤلاء لا يملكون حسابات مصرفية، ولا مكاتب مكيفة، بل يملكون فقط أجسادًا أنهكها العمل، وأحلامًا بسيطة في العيش بكرامة. إن سلبهم أرضهم لا يعني فقط خسارة اقتصادية،
بل هو انكسار في ميزان العدالة، وتهديد مباشر للتماسك الاجتماعي
الدولة اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تُثبت أنها وفية لوعودها، وأنها تقف مع من ناصرها، أو تترك المجال مفتوحًا أمام تغوّل المصالح الخاصة. إن دعم الرئيس للمنقبين يجب ألا يبقى حبيس التصريحات، بل يجب أن يُترجم إلى قرارات حازمة تُوقف محاولات التهميش، وتُعيد الاعتبار لمن جعلوا من الصحراء وطنًا ومصدر رزق
المنقبون لا يطلبون المستحيل، بل يطالبون بما هو بديهي: أن يُعاملوا كمواطنين، لا كعقبات في طريق المستثمرين. أن تُحترم مساهمتهم، لا أن تُمحى بقرار. أن يُسمع صوتهم، لا أن يُطوى في ملفات مغلقة.
وإن كان الظلم ظلمات يوم القيامة، فإنه أيضًا ظلمات في حياة الشعوب. وموريتانيا اليوم أمام لحظة صدق: إما أن تنتصر للحق، أو تُسلم رقاب البسطاء لمطرقة النفوذ.