
في لحظة فارقة من تاريخ الخطاب الإعلامي العربي، جاء حضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى مؤتمر الإعلام العربي المنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة، بمثابة وقفة ضمير في زمن تغلب فيه الضوضاء على الحكمة، ويختلط فيه الحق بالباطل على موائد الرأي العام.
كلمة شيخ الأزهر لم تكن خطابًا تقليديًا، بل وثيقة فكرية ومهنية وأخلاقية، توجه بها إلى الإعلاميين العرب كافة، واضعًا أسسًا واضحة لإعلام مسؤول يعلي من شأن الحقيقة، وينتصر لقيم التماسك الاجتماعي، ويحفظ هوية المجتمعات العربية والإسلامية من التآكل تحت ضغط المحتوى الموجّه والمعلومات الزائفة.
في معرض حديثه، شدد فضيلته على أن الإعلام في عصرنا لم يعد مجرد وسيلة لنقل الخبر، بل تحول إلى قوة ناعمة فاعلة تسهم في تشكيل الوعي الجمعي وصياغة الثقافة العامة. ومن هذا المنطلق، دعا إلى ضرورة التزام الإعلام العربي بالموضوعية والمصداقية والانضباط الأخلاقي، بعيدًا عن الإثارة المفتعلة أو الانجراف خلف حملات التشويه والتشكيك.
ولم يغفل الإمام الأكبر الإشارة إلى التحديات الراهنة التي تواجه الخطاب الإعلامي، مؤكدًا أن بعض المنصات أصبحت أداة لتفكيك القيم، وترويج الأفكار المنحرفة، والنيل من ثوابت الأمة تحت دعاوى التحديث والتنوير.
وفي المقابل، أكد أن الإعلام الواعي قادر على أن يكون جدارًا حصينًا يحفظ استقرار الشعوب ويعزز أمنها الفكري والوجداني.
وفي لفتة تحمل تقديرًا عميقًا، عبّر فضيلته عن امتنانه لدولة الإمارات العربية المتحدة، قيادةً وشعبًا، على استضافة هذا الحدث الإعلامي المهم، مشيدًا بما تقدمه الإمارات من نموذج متقدم في إدارة الإعلام المتوازن، الذي يجمع بين الحداثة والمسؤولية، والانفتاح والهوية.
إن مشاركة شيخ الأزهر في مؤتمر الإعلام العربي لم تكن مجرد حضور بروتوكولي، بل جاءت لترسخ من جديد مكانة الأزهر الشريف كمنارة فكرية، ومؤسسة دينية تُعنى بصياغة الوعي وليس فقط الفتوى، وتؤمن بدور الإعلام كشريك أساسي في معركة البناء ومواجهة التحديات.
وفي وقت يتعرض فيه الرأي العام العربي لهجمات شرسة من إعلام الفوضى والتزييف، كانت كلمات الإمام الأكبر بمثابة جرس إنذار وصوت رشيد، يذكرنا بأن الكلمة أمانة، وأن الإعلام ليس مهنة فقط، بل رسالة تتطلب ضميرًا حيًا، ووعيًا بقضايا الأمة، وانتماءً حقيقيًا لهموم الإنسان العربي.
تحية تقدير لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، الذي لا يزال يؤدي رسالته بشرف وثبات، ويؤكد من جديد أن الأزهر الشريف سيظل قلعةً للحكمة، وصوتًا للحق، ودرعًا أخلاقيًا يحمي المجتمعات من فوضى الكلمة وانفلات الرسالة.