الاقصر… كنز مصر المخفي بين الماضي والمستقبل

بقلم: حسين المصري
رئيس مجلس ادارة جريدة “24 ساعة توداي”
في قلب الصعيد، وعلى ضفاف النيل الخالد، تقف محافظة الأقصر شامخة كشاهد على أعظم حضارة عرفها التاريخ — حضارة المصريين القدماء.
هنا، بين الأعمدة والمسلات والمعابد، تُروى قصة الإنسان الذي علّم العالم معنى العلم والفن والسياسة والإدارة.
ورغم ما تحمله هذه البقعة المقدسة من كنوز أثرية وتاريخية لا تُقدّر بثمن، إلا أن أهلها اليوم يرزحون تحت وطأة الإهمال والتهميش والتفاوت التنموي.
لقد آن الأوان أن تُعاد قراءة ملف الأقصر من منظور وطني استراتيجي، لا كمجرد مزار سياحي موسمي، بل كقاطرة للتنمية الشاملة في صعيد مصر.
أولًا: الإرث الحضاري ليس مجرد حجارة
إن آثار الأقصر — من معابد الكرنك، إلى وادي الملوك، إلى معبد الأقصر — ليست مجرد مزارات سياحية، بل هي أصول قومية،
تمثل رصيدًا حضاريًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لو استُثمر بشكل صحيح لغيّرت وجه المنطقة كلها.
نحن لا نحتاج فقط إلى الترميم، بل إلى رؤية استثمارية حديثة توظف الذكاء الاصطناعي، والسياحة الذكية، والخدمات المتكاملة، لتحويل الأقصر إلى وجهة عالمية متكاملة.
ثانيًا: المواطن الأقصرِي في قلب المعادلة
لا تنمية بدون إنسان.
وأهل الأقصر، رغم صبرهم وأصالتهم، يعانون من قلة فرص العمل، وتهالك البنية التحتية، ونقص في الخدمات الصحية والتعليمية.
إن التنمية لا تعني بناء فنادق فاخرة للأجانب فقط، بل بناء مستشفيات، ومدارس، وجامعات، ومعاهد تدريب لأهل البلد.
يجب أن تتكامل جهود الدولة مع منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الخيرية، والقطاع الخاص، لإطلاق مشروعات تنموية حقيقية:
• تطوير شبكات الطرق الداخلية.
• توفير وحدات سكنية آدمية.
• إنشاء مراكز تدريب مهني متخصصة في السياحة، واللغات، والتقنيات الحديثة.
• دعم المبدعين من شباب الأقصر في مجالات الإعلام، والفن، وريادة الأعمال.
ثالثًا: الأقصر بوابة للسياحة العلاجية والروحية
لماذا لا تكون الأقصر مركزًا عالميًا للسياحة العلاجية؟
بمناخها الصحي، وأرضها الطيبة، ومكانتها الروحية، يمكن أن تتحول إلى ملاذ للباحثين عن الراحة النفسية والاستشفاء الطبيعي،
خاصة مع تطور الطب البديل، والتداوي بالأعشاب، والتأمل، واليوغا، وسط أجواء روحانية نادرة.
رابعًا: الرياضة… بوابة ذهبية للسياحة الشتوية
لم تعد الرياضة مجرد ترفيه، بل أصبحت صناعة كبرى واقتصادًا قائمًا بذاته.
ومحافظة الأقصر بما تتمتع به من مناخ دافئ طوال فصل الشتاء، يمكن أن تتحول إلى وجهة مثالية للمنتخبات العالمية والأندية الكبرى في أوروبا وآسيا، التي تهرب من تجمّد الشتاء القارس، بحثًا عن بيئة معتدلة وصالحة للتدريب والاستعداد.
إن إنشاء ملاعب دولية، وفنادق رياضية، ومنشآت تدريب بمعايير عالمية، سيجعل من الأقصر مركزًا لاستضافة المعسكرات الشتوية، وبطولات الشباب، وحتى مباريات ودّية دولية.
الرياضة هنا ليست مجرد نشاط بدني، بل هي أداة تنمية شاملة، تُنعش السياحة، وتخلق فرص عمل، وتُعرّف العالم بوجه آخر من وجوه الأقصر المشرقة.
خامسًا: الإعلام ودوره في صناعة الحلم
كإعلاميين، تقع على عاتقنا مسؤولية نقل الصورة الحقيقية للأقصر — لا كمدينة مهجورة أو مزار شتوي فقط، بل كـ مشروع وطني متكامل.
نحتاج إلى أفلام وثائقية، وتقارير حية، وحملات إعلامية دولية، تروّج للمحافظة باعتبارها وجهة حضارية واستثمارية فريدة.
وختامًا: نداء لأصحاب القرار
أناشد من خلال هذا المقال — كصحفي، كمواطن مصري، وكابن من أبناء الصعيد —
أن تُدرج محافظة الأقصر ضمن أولويات الجمهورية الجديدة، وأن تتحول من كنز منسي إلى نموذج عالمي في التنمية الذكية، والعدالة الاجتماعية، وإحياء الهوية الثقافية.
الأقصر لا تنادي فقط… الأقصر تصرخ منذ عقود.
فهل من مجيب؟