اقتصادسياسةعاجل

إسرائيل: الذراع الأمريكي ضد العرب

بقلم: ناصر السلاموني

لم تعد إسرائيل تتحرك بمفردها في المنطقة، بل أصبحت الذراع العسكري والسياسي للولايات المتحدة في مشروعها لإخضاع العالم العربي. فمنذ عقود وهي تستبيح الأراضي العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، تحت غطاء أمريكي كامل. وقد بلغ عدد الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية وحدها أكثر من 400 غارة بين عامي 2013 و2023، استهدفت مواقع للجيش السوري والفصائل المتحالفة معه، دون أن يواجه ذلك أي ردع دولي. وفي لبنان، نفّذت إسرائيل أكثر من 12 اعتداءً جويًا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بينما استُهدفت مواقع في العراق واليمن تحت ذرائع مختلفة.

في الوقت نفسه، وفّرت واشنطن لإسرائيل كل مقومات القوة؛ إذ بلغ إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل أكثر من 150 مليار دولار منذ عام 1948، بما في ذلك صفقة أسلحة سنوية تصل إلى 3.8 مليار دولار. هذا إلى جانب الحماية الدبلوماسية؛ فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن 46 مرة منذ 1972 لإسقاط قرارات تدين إسرائيل أو تطالبها بوقف احتلالها وانتهاكاتها.

ولم يتوقف الأمر عند الدعم المالي والسياسي، بل استُخدمت القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة – وأبرزها قاعدة (العديد) في قطر التي تُعَدّ الأكبر في الشرق الأوسط وتستضيف نحو 10 آلاف جندي أمريكي – كغطاء إستراتيجي لردع أي تهديد ضد إسرائيل وضمان تفوقها. وفي المقابل، واصلت واشنطن استنزاف ثروات العرب من النفط والأموال تحت شعار الحماية والأمن.

وجاءت الضربة الأخيرة لتكشف حقيقة هذا التحالف؛ إذ أقدمت إسرائيل على قصف مقر إقامة وفد حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، في عملية غير مسبوقة مثّلت خرقاً صارخاً لسيادة دولة مستقلة وعضو فاعل في الأمم المتحدة. فالاعتداء لم يكن مجرد استهداف لقيادات فلسطينية، بل رسالة بأن إسرائيل، مدفوعة بالغطاء الأمريكي، لم تعد ترى خطوطاً حمراء في ملاحقة خصومها حتى داخل العواصم الآمنة.

أمثلة على سياسة إسرائيل العابرة للحدود

هذا السلوك ليس جديدًا؛ فقد سبق لإسرائيل أن:

اغتالت القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010 عبر عملية استخدمت فيها جوازات سفر أوروبية مزوّرة، ما أثار أزمة دبلوماسية واسعة.

قصفت مصنعاً للأسلحة في السودان عام 2012، مبررة ذلك بوقف تهريب السلاح إلى غزة.

اغتالت القيادي الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس عام 1988 عبر عملية كوماندوز بحرية وجوية.

نفذت اغتيالات ممنهجة في بيروت ودمشق استهدفت قيادات من المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

هذه السوابق تؤكد أن استهداف الدوحة لم يكن حادثة معزولة، بل امتداد لنهج إسرائيلي يقوم على انتهاك سيادة الدول العربية، وفرض منطق القوة دون حساب.

ومن المدهش ردود الفعل الرسمية للدول والمنظمات

فمنذ اللحظة الأولى، أصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً حاداً قالت فيه:
“تدين دولة قطر بأشد العبارات هذا الاعتداء الغادر الذي يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة قطر وتهديداً مباشراً لأمنها القومي ولأمن المنطقة بأسرها”، مطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته في وقف هذه التصرفات المتهورة.

وعلى الصعيد الدولي، عبّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن “قلق بالغ إزاء التصعيد الخطير، مؤكداً أن استهداف شخصيات على أراضي دولة ذات سيادة يعد خرقاً للقانون الدولي وتهديداً للسلم والأمن الإقليمي”. ومع ذلك، اكتفت المنظمة بالدعوة إلى ضبط النفس، ما عكس عجزها الواضح أمام الهيمنة الأمريكية.

أما جامعة الدول العربية فقد أصدرت بياناً شديد اللهجة اعتبرت فيه أن “الاعتداء على الأراضي القطرية يشكّل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام فوضى إقليمية وتضع الأمن القومي العربي في مهب الريح”. لكن البيان بقي مجرد إدانة كلامية، دون خطوات عملية، كما اعتاد الشارع العربي من المؤسسة العربية الرسمية.

أما رد الفعل الأمريكى نراه بوضوح الولايات فلم تُخفِ موقفها، بل أعلنت بوضوح عبر مسؤولين رسميين أن العملية الإسرائيلية تمثل “حقاً مشروعاً في ملاحقة الإرهاب”. وبهذا الموقف، منحت إسرائيل الشرعية الكاملة لتوسيع نطاق عملياتها خارج حدود فلسطين، ما يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة بأكملها.

وأخيرا نرى دلالات الحدث المأسوى أن ما حدث في الدوحة ليس مجرد حادث عابر، بل محطة فارقة تعلن أن القانون الدولي صار حبراً على ورق، وأن منطق القوة بات هو الحاكم. وحين تعجز الأمم المتحدة والجامعة العربية عن حماية سيادة دولة مستقلة من عدوان سافر، فإن ذلك يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الفوضى، تتحول فيها عواصم العالم إلى ميادين لتصفية الحسابات، وتُقوّض آخر ما تبقى من هيبة الشرعية الدولية.

Facebook Comments Box

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى