
لم تكن زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، إلى القاهرة مجرد محطة بروتوكولية عابرة، بل جاءت محمّلة برسائل سياسية وأمنية بالغة الوضوح، عكست موقفًا مصريًا حاسمًا تجاه ما يجري على الساحة السودانية، في ظل تصعيد خطير يهدد وحدة الدولة ويُنذر بانعكاسات مباشرة على الأمن الإقليمي.

القاهرة، التي ترتبط مع الخرطوم بروابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، جددت خلال الزيارة دعمها الكامل لكل الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في السودان، وفي مقدمتها الرؤية التي يطرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإحلال السلام وتجنب التصعيد وتسوية النزاعات، باعتبار أن إنهاء الصراع السوداني لم يعد خيارًا سياسيًا، بل ضرورة إنسانية وأمنية ملحّة.
وفي الوقت ذاته، لم تُخفِ مصر قلقها البالغ إزاء استمرار حالة التوتر والتصعيد غير المسبوق داخل السودان، وما أسفر عنه من مذابح مروعة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خاصة في مدينة الفاشر، حيث يدفع المدنيون الأبرياء ثمن صراع دموي يفتك بمقومات الدولة ويهدد بتفكيكها.
ومن هنا، جاء التأكيد المصري الصارم على وجود «خطوط حمراء» لا يمكن السماح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، باعتبار أن أي مساس بها يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي السوداني. فالقاهرة ترى أن استقرار السودان هو صمام أمان للمنطقة بأكملها، وأي محاولة لزعزعة وحدته ستنعكس حتمًا على دول الجوار.
وفي مقدمة هذه الخطوط الحمراء، شددت مصر على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، ورفضها القاطع لأي محاولات لانفصال أجزاء من أراضيه أو إنشاء كيانات موازية تسعى لفرض أمر واقع جديد. فمثل هذه السيناريوهات، وفق الرؤية المصرية، لا تهدد السودان وحده، بل تفتح أبواب الفوضى الإقليمية على مصراعيها.
كما أكدت القاهرة أن الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها يمثل ركيزة أساسية لاستعادة الاستقرار، مشددة على حقها الكامل في اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات يكفلها القانون الدولي واتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، لضمان عدم تجاوز هذه الخطوط الحمراء تحت أي ذريعة.
وفي ختام المشهد، أعادت مصر التأكيد على التزامها بالعمل ضمن إطار الرباعية الدولية، سعيًا للتوصل إلى هدنة إنسانية تفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار، مع إنشاء ممرات وملاذات آمنة تضمن حماية المدنيين السودانيين وتخفف من معاناتهم، وذلك بالتنسيق الكامل مع مؤسسات الدولة السودانية الشرعية.
هكذا، حملت زيارة البرهان إلى القاهرة رسالة واضحة: مصر لن تقف موقف المتفرج تجاه ما يحدث في السودان، بل ترسم حدودًا لا تسمح بتجاوزها، دفاعًا عن وحدة السودان وأمنه، وحمايةً لأمنها القومي في لحظة إقليمية فارقة.








